فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم إنه تعالى ذكر أن الواحد من هؤلاء المشركين لا يرضى بالولد البنت لنفسه فما لا يرتضيه لنفسه كيف ينسبه لله تعالى فقال: {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًا وهو كظيم} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
التبشير في عرف اللغة مختص بالخبر الذي يفيد السرور إلا أنه بحسب أصل اللغة عبارة عن الخبر الذي يؤثر في تغير بشرة الوجه، ومعلوم أن السرور كما يوجب تغير البشرة فكذلك الحزن يوجبه.
فوجب أن يكون لفظة التبشير حقيقة في القسمين، ويتأكد هذا بقوله: {فبشرهم بعذاب أليم} [آل عمران: 21]، ومنهم من قال: المراد بالتبشير هاهنا الإخبار، والقول الأول أدخل في التحقيق.
أما قوله: {ظل وجهه مسودًا} فالمعنى أنه يصير متغيرًا تغير مغتم، ويقال لمن لقي مكروهًا قد اسود وجهه غمًا وحزنًا، وأقول إنما جعل اسوداد الوجه كناية عن الغم، وذلك لأن الإنسان إذا قوي فرحه انشرح صدره وانبسط روح قلبه من داخل القلب، ووصل إلى الأطراف، ولاسيما إلى الوجه لما بينهما من التعلق الشديد، وإذا وصل الروح إلى ظاهر الوجه أشرق الوجه وتلألأ واستنار، وأما إذا قوي غم الإنسان احتقن الروح في باطن القلب ولم يبق منه أثر قوي في ظاهر الوجه، فلا جرم يربد الوجه ويصفر ويسود ويظهر فيه أثر الأرضية والكثافة، فثبت أن من لوازم الفرح استنارة الوجه وإشراقه، ومن لوازم الغم كمودة الوجه وغبرته وسواده، فلهذا السبب جعل بياض الوجه إشراقه كناية عن الفرح وغبرته وكمودته وسواده كناية عن الغم والحزن والكراهية، ولهذا المعنى قال: {ظل وجهه مسودًا وهو كظيم} أي ممتلئ غمًا وحزنًا.
ثم قال تعالى: {يتوارى من القوم من سوء} أي يختفي ويتغيب من سوء ما بشر به، قال المفسرون: كان الرجل في الجاهلية إذا ظهر آثار الطلق بامرأته توارى واختفى عنا لقوم إلى أن يعلم ما يولد له فإن كان ذكرًا ابتهج به، وإن كان أنثى حزن ولم يظهر للناس أيامًا يدبر فيها أنه ماذا يصنع بها؟ وهو قوله: {أيمسكه على هون أم يدسه في التراب} والمعنى: أيحسبه؟ والإمساك هاهنا بمعنى بمعنى الحبس كقوله: {أمسك عليك زوجك} [الأحزاب: 37]، وإنما قال: {أيمسكه} ذكره بضمير الذكران لأن هذا الضمير عائد على {ما} في قوله: {ما بشر به} والهون الهوان قال النضر بن شميل يقال إنه أهون عليه هونًا وهوانًا، وأهنته هونًا وهوانًا، وذكرنا هذا في سورة الأنعام عند قوله؛ {عذاب الهون} [الأنعام: 93]، وفي أن هذا الهون صفة من؟ قولان: الأول: أنه صفة المولودة، ومعناه أنه يمسكها عن هون منه لها.
والثاني: قال عطاء عن ابن عباس: أنه صفة للأب، ومعناه أنه يمسكها مع الرضا بهوان نفسه وعلى رغم أنفه.
ثم قال: {أم يدسه في التراب} والدس إخفاء الشيء في الشيء.
يروى أن العرب كانوا يحفرون حفيرة ويجعلونها فيها حتى تموت.
وروي عن قيس بن عاصم أنه قال: يا رسول الله إني واريت ثماني بنات في الجاهلية فقال عليه السلام: «أعتق عن كل واحدة منهن رقبة» فقال: يا نبي الله إني ذو إبل، فقال: «أهد عن كل واحدة منهن هديًا» وروي أن رجلًا قال يا رسول الله: ما أجد حلاوة الإسلام منذ أسلمت، فقد كانت لي في الجاهلية ابنة فأمرت امرأتي أن تزينها فأخرجتها إلي فانتهيت بها إلى واد بعيد القعر فألقيتها فيه، فقالت: يا أبت قتلتني، فكلما ذكرت قولها لم ينفعني شيء، فقال عليه السلام: «ما كان في الجاهلية فقد هدمه الإسلام وما كان في الإسلام يهدمه الاستغفار» واعلم أنهم كانوا مختلفين في قتل البنات فمنهم من يحفر الحفيرة ويدفنها فيها إلى أن تموت، ومنهم من يرميها من شاهق جبل، ومنهم من يغرقها ومنهم من يذبحها، وهم كانوا يفعلون ذلك تارة للغيرة والحمية، وتارة خوفًا من الفقر والفاقة ولزوم النفقة، ثم إنه قال: {ألا ساء ما يحكمون} وذلك لأنهم بلغوا في الاستنكاف من البنت إلى أعظم الغايات، فأولها: أنه يسود وجهه.
وثانيها: أنه يختفي عن القوم من شدة نفرته عن البنت، وثالثها: أن الولد محبوب بحسب الطبيعة، ثم إنه بسبب شدة نفرته عنها يقدم على قتلها، وذلك يدل على أن النفرة عن البنت والاستنكاف عنها قد بلغ مبلغًا لا يزداد عليه.
إذا ثبت هذا فالشيء الذي بلغ الاستنكاف منه إلى هذا الحد العظيم كيف يليق بالعاقل أن ينسبه لإله العالم المقدس العالي عن مشابهة جميع المخلوقات؟ ونظير هذه الآية قوله تعالى: {ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذًا قسمة ضيزى} [النجم: 21، 22].
المسألة الثانية:
قال القاضي: هذه الآية تدل على بطلان الجبر، لأنهم يضيفون إلى الله تعالى من الظلم والفواحش ما إذا أضيف إلى أحدهم أجهد نفسه في البراءة منه والتباعد عنه، فحكمهم في ذلك مشابه لحكم هؤلاء المشركين، ثم قال: بل أعظم، لأن إضافة البنات إليه إضافة قبح واحد، وذلك أسهل من إضافة كل القبائح والفواحش إلى الله تعالى.
فيقال للقاضي، إنه لما ثبت بالدليل استحالة الصاحبة والولد على الله تعالى أردفة الله بذكر هذا الوجه الإقناعي، وإلا فليس كل ما قبح منا في العرف قبح من الله تعالى ألا ترى أن رجلًا زين إماءه وعبيده وبالغ في تحسين صورهن ثم بالغ في تقوية الشهوة فيهم وفيهن، ثم جمع بين الكل وأزال الحائل والمانع فإن هذا بالإتفاق حسن من الله تعالى وقبيح من كل الخلق، فعلمنا أن التعويل على هذه الوجوه المبينة على العرف، إنما يحسن إذا كانت مسبوقة بالدلائل القطعية اليقينية، وقد ثبت بالبراهين القطعية امتناع الولد على الله، فلا جرم حسنت تقويتها بهذه الوجوه الإقناعية.
أما أفعال العباد فقد ثبت بالدلائل اليقينية القاطعة أن خالقها هو الله تعالى، فكيف يمكن إلحاق أحد البابين بالآخر لولا شدة التعصب؟ والله أعلم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وإذا بُشِّر أحَدُهُم بالأنثى ظلَّ وجهُهُ مسودًّا وهو كظيمٌ} في قوله: {مسودًّا}.
ثلاثة أوجه:
أحدها: مسود اللون، قاله الجمهور. الثاني: متغير اللون بسواد أو غيره، قاله مقاتل. الثالث: ان العرب تقول لكل من لقي مكروهًا قد اسودّ وجهه غمًا وحزنًا، قاله الزجاج.
ومنه: سَوَّدْت وجه فلان، إذا سُؤتَه.
{وهو كظيم} فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن الكظيم الحزين، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه الذي يكظم غيظه فلا يظهر، قاله الأخفش.
الثالث: أنه المغموم الذي يطبق فاه فلا يتكلم من الفم، مأخوذ من الكظامة وهو سد فم القربة، قاله ابن عيسى.
{أيمسكُهُ على هُونٍ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: هو الهوان بلغة قريش، قاله اليزيدي.
الثاني: هو القليل بلغة تميم، قاله الفراء.
الثالث: هو البلاء والمشقة، قاله الكسائي. قالت الخنساء:
نهينُ النفوس وهون النفو ** س يوم الكريهة أبقى لها

{أم يدُسُّهُ في التراب} فيه وجهان:
أحدهما: أنها الموءُودة التي تدس في التراب قتلًا لها.
الثاني: أنه محمول على إخفائه عن الناس حتى لا يعرفوه كالمدسوس في التراب لخفائه عن الأبصار، وهو محتمل. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ}.
الضمير في قوله: {ويجعلون} للكفار، وقوله: {لما لا يعلمون} يريد الأصنام، ومعناه لا يعلمون فيهم حجة ولا برهانًا، ويحتمل أن يريد بقوله: {يعلمون} الأصنام، أي يجعلون لجمادات لا تعلم شيئًا {نصيبًا}، فالمفعول محذوف، ثم عبر عنهم بعبارة من يعقل بحسب مذهب الكفار الذين يسندون إليها ما يسند إلى من يعقل، وبحسب أنه إسناد منفي، وهذا كله ضعيف، والنصيب المشار إليه هو ما كانت العرب سنته من الذبح لأصنامها والإهداء إليها، والقسم لها من الغلات، ثم أمر الله تعالى نبيه عليه السلام، أن يقسم لهم أنهم سيسألون على افترائهم في أن تلك السنن هي الحق الذي أمر الله به كما قال بعضهم، والفرية اختلاق الكذب وقوله: {ويجعلون لله البنات} الآية، هذا تعديد لقبح قول الكفار: الملائكة بنات الله ورد عليهم من وجهين، أحدهما نسبة النسل إلى الله تعالى عن ذلك، والآخر أنهم نسبوا من النسل الأخس المكروه عندهم، و{ما} في قوله: {ما يشتهون} مرتفعة بالابتداء، والخبر في المجرور قبله، وأجاز الفراء أن تكون في موضع نصب عطفًا على {البنات}، والبصريون لا يجيزون هذا لأنه من باب ضربتني، وكان يلزم عندهم أن يكون لأنفسهم ما يشتهون، والمراد بقوله: {ما يشتهون} الذكران من الأولاد، وقوله: {وإذا بشر} لما صرح بالشيء المبشر به حسن ذكر البشارة فيه وإلا فالبشارة مطلقة لا تكون إلا في خير، وقوله: {ظل وجهه مسودًا} عبارة عن العبوس والتقطيب الذي يلحق المغموم، وقد يعلو وجه المغموم سواد وربدة وتذهب شراقته، فلذلك يذكر له السواد، و{كظيم} بمعنى كاظم كعليم وعالم، والمعنى أنه يخفي وجده وهمه بالأنثى، وقوله: {يتوارى من القوم} الآية، هذا التواري الذي ذكر الله تعالى إنما هو بعد البشارة بالأنثى، وما يحكى أن الرجل منهم كان إذا أصاب امرأته الطلق توارى حتى يخبر بأحد الأمرين، فليس المراد في الآية، ويشبه أن ذلك كان إذا أخبر بسارّ خرج، وإن أخبر بسوء بقي على تواريه ولم يحتج إلى إحداثه، ومعنى {يتوارى} يتغيب، وتقدير الكلام يتوارى من القوم مدبرًا {أيمسكه أم يدسه}؟ وقرأت فرقة {أيمسكه} على لفظ ما أم يدسها على معنى الأنثى، وقرأ الجحدري {أيمسكها أم يدسها} على معنى الأنثى في الموضعين، وقرأ الجمهور: {على هُون} بضم الهاء، وقرأ عيسى بن عمر {على هوان}، وهي قراءة عاصم الجحدري، وقرأ الأعمش: {على سوء}، ومعنى الآية يدبر أيمسك هذه الأنثى على هوان يتحمله وهم يتجلد له، أم يدسها فيدفنها حية، فهو الدس في التراب، ثم استفتح تعالى بالإخبار بسوء حكمهم وفعلهم بهذا في بناتهم ورزق الجميع على الله. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ}.
ذكر نوعًا آخر من جهالتهم، وأنهم يجعلون لما لايعلمون أنه يضر وينفع وهي الأصنام شيئًا من أموالهم يتقرّبون به إليه؛ قاله مجاهد وقتادة وغيرهما.
ف{يعلمون} على هذا للمشركين.
وقيل: هي للأوثان، وجرى بالواو والنون مجرى من يعقل، فهو رد على {ما} ومفعول يعلم محذوف، والتقدير: ويجعل هؤلاء الكفار للأصنام التي لا تعلم شيئًا نصيبًا.
وقد مضى في الأنعام تفسير هذا المعنى في قوله: {فَقَالُواْ هذا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وهذا لِشُرَكَآئِنَا} ثم رجع من الخبر إلى الخطاب فقال: {تالله لَتُسْأَلُنَّ} وهذا سؤال توبيخ.
{عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ} أي تختلقونه من الكذب على الله أنه أمركم بهذا.
قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ البنات}.
نزلت في خُزاعة وكنانة؛ فإنهم زعموا أن الملائكة بنات الله، فكانوا يقولون ألحقوا البنات بالبنات.
{سُبْحَانَهُ} نزّه نفسه وعظمها عما نسبوه إليه من اتخاذ الأولاد.
{وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ} أي يجعلون لأنفسهم البنين ويأنفون من البنات.
وموضع {ما} رفع بالابتداء، والخبر {لهم} وتم الكلام عند قوله: {سبحانه}.
وأجاز الفراء كونها نصبًا، على تقدير: ويجعلون لهم ما يشتهون.
وأنكره الزجاج وقال: العرب تستعمل في مثل هذا ويجعلون لأنفسهم.
قوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بالأنثى} أي أخبر أحدهم بولادة بنت.
{ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} أي متغيرًا، وليس يريد السواد الذي هو ضد البياض، وإنما هو كناية عن غمه بالبنت.
والعرب تقول لكل من لقي مكروهًا: قد اسود وجهه غَمًّا وحزنًا؛ قاله الزجاج.
وحكى الماوردي أن المراد سوادُ اللون قال: وهو قول الجمهور.
{وَهُوَ كَظِيمٌ} أي ممتلىء من الغم.
وقال ابن عباس: حزين.
وقال الأخفش: هو الذي يكظم غيظه فلا يظهره.
وقيل: إنه المغموم الذي يطبق فاه فلا يتكلم من الغم؛ مأخوذ من الكِظامة وهو شد فم القربة؛ قاله علي بن عيسى.
وقد تقدّم هذا المعنى في سورة يوسف.
قوله تعالى: {يتوارى مِنَ القوم} أي يختفي ويتغيّب.
{مِن سواء مَا بُشِّرَ بِهِ} أي من سوء الحزن والعار والحياء الذي يلحقه بسبب البنت.
{أَيُمْسِكُهُ} ذكّر الكناية لأنه مردود على {ما}.
{على هُونٍ} أي هوان.
وكذا قرأ عيسى الثقفيّ {على هوان} والهُون الهوان بلغة قريش؛ قاله اليزيدي وحكاه أبو عبيد عن الكسائيّ.
وقال الفرّاء: هو القليل بلغة تميم.
وقال الكسائيّ: هو البلاء والمشقة.
وقالت الخَنْساء:
نُهين النفوسَ وهُونُ النفو ** س يوم الكريهة أبقَى لها

وقرأ الاعمش: {أيمسِكه على سوءٍ} ذكره النحاس، قال: وقرأ الجَحْدَرِيّ {أم يدسّها في التراب} يردّه على قوله: {بِالأنثى} ويلزمه أن يقرأ: {أيمسِكها}.
وقيل: يرجع الهوان إلى البنت؛ أي أيمسكها وهي مهانة عنده.
وقيل: يرجع إلى المولود له؛ أيمسكه على رغم أنفه أم يدسه في التراب، وهو ما كانوا يفعلونه من دفن البنت حيّة.
قال قتادة: كان مُضَرُ وخُزاعة يدفنون البنات أحياء؛ وأشدهم في هذا تميم.
زعموا خوف القهر عليهم وطمع غير الأكفاء فيهن.
وكان صَعْصَعة بن ناجية عَمُّ الفرزدق إذا أحس بشيء من ذلك وجه إلى والد البنت إبلا يستحييها بذلك.
فقال الفرزدق يفتخر:
وعمّي الذي منَع الوائداتْ ** وأحيا الوَئيد فلم يُوأَدِ

وقيل: دَسُّها إخفاؤها عن الناس حتى لا تُعرف، كالمدسوس في التراب لإخفائه عن الأبصار؛ وهذا محتمل.
مسألة:
ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني امرأة ومعها ابنتان لها، فسألتني فلم تجد عندي غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها فأخذتها فقسَمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها شيئًا، ثم قامت فخرجت وابنتاها، فدخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم فحدّثته حديثَها، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من ابتُلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترًا من النار» ففي هذا الحديث ما يدل على أن البنات بلية، ثم أخبر أن في الصبر عليهن والإحسان إليهن ما يقي من النار.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما؛ فأعجبني شأنها، فذكرتُ الذي صنعتْ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الله عز وجل قد أوجب لها بها الجنة أو أعتقها بها من النار» وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو، وضم أصابعه» خرّجهما أيضًا مسلم رحمه الله! وخرج أبو نعيم الحافظ من حديث الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت له بنت فأدّبها فأحسن أدبها وعلّمها فأحسن تعليمها وأسبغ عليها من نعم الله التي أسبغ عليه كانت له سترًا أو حجابًا من النار».
وخُطب إلى عَقيل بن عُلّفة ابنته الجرباء فقال:
إني وإن سِيق إليّ المَهْرُ ** ألْفٌ وعُبدان وخُورٌ عشرُ

أَحَبّ أصهاري إليّ القبر

وقال عبد الله بن طاهر:
لكل أبي بنت يراعي شؤونها ** ثلاثةُ أصهار إذا حُمد الصِّهْرُ

فَبَعْلٌ يُراعِيها وخِدْر يكنُّها ** وقبر يُوارِيها وخيرُهم القَبْرُ

{أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} أي في إضافة البنات إلى خالقهم وإضافة البنين إليهم.
نظيره {أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الأنثى تلك إِذًا قِسْمَةٌ ضيزى} [النجم: 21، 22]. أي جائرة، وسيأتي. اهـ.